دمشق – كانون الأول 16 2018

الطفل ليث , مصدر الأمل

استلقى ليث على الأرض ،وهو ينظر إلى أمه وهي تحاول تهدئة أخيه الصغير الذي كان يبكي بشدة، لكي ينام بجانب إخوته المتضورين جوعاً المختبئين في النفق الأرضي، وبرغم إحساسهم بالجوع لم يشتك أحدٍ منهم لأنهم لطالما ألفوا شعورهم بالجوع. غط ليث في نومه على الرغم من أصوات بكاء وصراخ الكثير من الأطفال داخل النفق وسط دوي أصوات الانفجارات والقذائف التي كانت تدور في الخارج, إلى أن أيقظته والدته بعد مرور ساعة على نومه لكي يحمل أخاه الصغير.

يقول ليث:" أخبرتني أمي أنها ستذهب للخارج بصحبة أختي الكبرى لكي تجلب لنا بعض الطعام والحليب لأخي,  في تلك اللحظة هدئت أصوات الانفجارات إلا أنه بعد مغادرتها النفق بدقائق ضرب صاروخ المنطقة حولنا والذي كاد أن يهدم النفق فوق رؤوسنا"  

للأسف كان الصاروخ عنيفاً جداً لدرجة أن والدة ليث قد فارقت الحياة على أثر الانفجار بينما أصيبت شقيقته بشظايا في الرأس دخلت بسببها في غيبوبة لمدة 15 يوماً.  في اليوم التالي خرج ليث مع أشقائه الثلاثة والجيران من النفق حين توقفت أصوات الانفجارات والقنابل وذهبوا إلى المستشفى الميداني ليتأكدوا من وجود والدتهم وأختهم هناك، ليستقبلهم والدهم إبان وصولهم والذي كان مختبئاً أيضاً داخل إحدى الإنفاق في ليوم الذي سبقه ليخفف بحضوره عنهم المرارة والحزن العميق على رحيل والدتهم مانحاً إياهم بعض الأمان .

لم يحتمل الوالد خسارة أخرى لأحد من عائلته لذا قرر إحضارهم مع ابنته التي استفاقت للتو من الغيبوبة إلى ممر إنساني بغية الهرب من المناطق المحاصرة في الغوطة الشرقية. تمكنت العائلة من عبور الممر الإنساني بأمان بعد مرور ثلاث ساعات ولكن عند المرور بحاجز التفتيش تم أخذ الوالد للخدمة العسكرية في ريف حلب لتستلم منظمة الهلال الأحمر السوري الأطفال والتي أحضرتهم إلى مركزٍ للإقامة المؤقتة لقرى الأطفال في أيار من عام 2018.  

كان جليَّاً رؤية أن للعيش وسط منطقة حرب لعدة سنوات أثراً بالغاً في تهيئة الشخصية القوية والمسؤولة عند ليث خصوصاً خلال جلسات ونشاطات الدعم النفسي الأولى التي التحق بها عندما جاء إلى مركز الرعاية المؤقتة لقرى الأطفال.

وتقول رنا مقدمة الرعاية البديلة لليث وإخوته منذ وصولهم إلى مركز قرى الأطفال" لقد أبدى ليث امتنانه وسعادته للأشياء الجيدة التي حصل عليها هنا في المركز لا سيما استمتاعه بالأمان والطعام اللذيذ وارتياده المدرسة للمرة الأولى وكل الأمور اللطيفة الأخرى التي جعلته يعيش طفولته مجدداً". 

عندما جاء ليث إلى المركز في البداية ملأته السعادة لكونه يملك سريره الخاص ودرجه وألعابه حيث يقوم بترتيب سريره كل صباح ويضع دبه المحشو المفضل عليه. إنه حقّاً طفلٌ لطيف ومؤدب

رنا
مقدمة رعاية

استطاع فريق توحيد الأسر في قرى الأطفال في سورية من عام 2018 من توحيد 109 طفلٍ مع عائلاتهم البيولوجية بعد أن يزودهم برنامج تمكين الأسر في قرى الأطفال بالدعم اللازم لضمان حماية الأطفال من الضرر وتأمين رعايتهم وسلامتهم. إلا أن ذلك لم يكن ممكنناً مع الأسف لليث وإخوته نظراً لأن والدهم ملتحقاً بالخدمة العسكرية لمدة غير محددة في مناطق خطرة وبالكاد استطاعته أن يرى أطفاله مرة واحدة كل شهرين. ونتيجةً لعدم القدرة على إدماج الأطفال مع والدهم وجب اللجوء إلى حل الرعاية البديلة الطويلة الأمد. ف عبر منازل قرى الأطفال الصغيرة التي يقيم بها ليث وإخوته يستطيعون التمتع بجو الاستقرار العائلي برفقة إخوتهم وأخواتهم الجدد في قرى الأطفال. 

أنشأ ليث خلال إقامته في المركز صداقات جديدة مع خمسة أطفال من مركز الرعاية في قرى الأطفال من بينهم صديقته المقربة داليا. والتحقوا معاً بالمدرسة ذاتها هذا العام ويذهبون إليها عن طريق الباص كل صباح ويقول ليث " أود أن أصبح لاعب كرة قدم مشهور عندما أكبر وأتمنى أن أقنع داليا بأن تلعب كرة القدم معنا أيضاً فهي قوية وسريعة ولكنها لا تحب هذه اللعبة أبداً".

إن ليث مبتهج جداً بانتقاله مع إخوته وأصدقائه المفضلين إلى منازلهم الجديدة التي ستفتتحها قرى الأطفال في سورية في ريف دمشق. ستملأ أصوات ضحكاتهم أرجاء غرف المنزل وستمحي بذلك أي حزن أو ألم، بل الحب والرعاية فقط الذي ستقدمه أمهات قرى الأطفال لكل الأطفال الذين لم يمكنهم الاندماج مع أسرهم البيولوجية

تم تغيير اسم الطفل لحماية خصوصيته.