قدسيا – آذار 15 2018

من الغوطة الشرقية إلى قرية قدسيا , تبدأ زينة الصغيرة حياتها الجديدة.

افتُتِحت قرية الأطفال قدسيا التابعة لقرى الأطفال SOS في عام 1981 وتحوي على 15 منزلاً في القرية ويمكن للمنزل الواحد أن يتسع بين 5 و10 أطفال.

كانت زينة ذات الاثني عشر عاماً جالسة بجانب والدتها التي كانت توقع على أوراق لم يكن بمقدور زينة قراءتها. وبعينين مغرورقتين بالدموع قبلتها والدتها ومن ثم غادرت القرية. على الرغم من حزن الفتاة الصغيرة الشديد لانفصالها عن والدتها لكنها أظهرت شجاعتها ومسحت دموعها بيديها الصغيرتين ونظرت إلى أمها البديلة الجديدة بابتسامة رقيقة على وجهها.  

كانت نحيلة للغاية وبحال يرثى لها عند وصولها إلى المركز أول مرة، وكان بيَناً أنها لم تقم بالاستحمام وتبديل ثيابها منذ فترة طويلة. ذهبت لاحقاً إلى المركز التجاري برفقة أمها البديلة لشراء ملابس جديدة لها. "تفاجئ الجميع بمظهري عندما صعدت إلى حافلة القرية وعبر الجميع عن مدى جمالي وكم كنت أبدو كالأميرة. اشترينا الكثير من الأشياء من المتجر حتى أن أمي سمحت لي بانتقاء هذا القميص بنفسي" هكذا عبرت زينة وهي ترينا الدمية الجميلة الصغيرة المثبتة على قميصها الجديد.

تعيش زينة في قرى الأطفال SOS منذ شهر تشرين الثاني وقد التحقت ببرنامج تعليمي مخصص للأطفال المحرومين من المدرسة لعدة سنوات علماً أنها بعد مضي عامان ستتمكن من الذهاب إلى المدرسة و متابعة ومواكبة الدراسة ضمن الصف نفسه مع أقرانها التلاميذ. ابتعدت زينة عن المدرسة لمدة خمس سنوات قبل وصولها إلى القرية إذ كانت تعيش في منطقة واقعة ضمن الغوطة الشرقية كانت فرصة التعلم فيها صعبة المنال عقب تحويل المدارس إلى ملاجئ لتحتمي فيها الأسر المهجرة التي فقدت منازلها بسبب التفجيرات والقذائف. مرَّت زينة مع والدتها وجدِّها بأيامٍ عصيبة للغاية إثر غياب الكهرباء والمياه النظيفة وقلة الغذاء، لينتقلوا بين ملجأٍ وآخر مراتٍ عديدة بعد فقدان منزلهم فأمضوا تلك الأيام في المدارس والمنازل الفارغة والأقبية. وتقول زينة " افتقرت الآلاف من المنازل المهجورة للأبواب والأثاث إلا أننا اعتدنا غالباً أن نجد ثياباً ملقاة على الأرض تركها أصحابها الذين فرُّوا من منازلهم ومن ثم نقوم بارتدائها".

 

كان أمراً غايةً في المشقَّة بالنسبة لفتاةٍ صغيرة أن تقطن في منطقة صراعاتٍ خطيرة جداً وتمطرها التفجيرات والقذائف يومياً لعدة سنوات، لاسيما في ظلِّ غياب والدها الذي شعرت بجانبه بالحماية والأمان، فاختفى والدها منذ ثلاثة أعوام ولم يسمع أحد أي أخبار جيدة كانت أم سيئة مذ ذلك الحين، ودفع مرض جد زينة وعدم قدرته على الحركة الأمور إلى الأسوأ فأُرغموا على البقاء في المنزل ولم يتمكنوا من مغادرته لفترةٍ طويلة لكي يجلبوا الطعام والماء. وتقول زينة " لا، لم أشعر بأن الوضع كان شاقاً جداً في ذلك الحين لأن جميع أصدقائي هناك يعانون الأوضاع ذاتها ولكن دوماً ما كنت أرى أمي وهي تبكي فكانت تخاف عليّ وهمها الوحيد هو رعايتي نظراً لأنني طفلتها الوحيدة".

بعد التفكير في الأمر لشهورٍ كثيرة قررت والدة زينة إخراج ابنتها من الغوطة الشرقية ومن أجل ذلك اضطرت للتظاهر بأن ابنتها مريضة جداً وبهذا كان عليها الانتظار لما يزيد عن الشهرين لكي تحصل على موافقة قوات الجيش على حاجز التفتيش الأخير الذي يمنح إذن الخروج للنساء والأطفال فقط وفي حالات نادرة جداً. لحسن الحظ استطاعت الخروج مع ابنتها، فتوجهت مباشرة لرؤية أختها التي تعيش مع طفليها في ملجأ يقع قرب قرية قدسيا. تركزت خطة الوالدة في البداية بأن تضع ابنتها تحت رعاية الأخت والعودة من أجل الاعتناء بالوالد العاجز عن الخروج من الغوطة الشرقية بسبب كونه رجلاً بصرف النظر عن وضعه الصحي السيء.

بعد ذلك رأت والدة زينة أن أختها لم تقم برعاية الأطفال في الملجأ كما يجب وقد رغبت أن تضمن إقامة ابنتها ضمن مكان صالح و آمن. أخبرتها سيدة بعد أن علمت بقصتها حول قرى الأطفال SOS في قدسيا فقامت بزيارة قرى الأطفال وشعرت بالطمأنينة من أنه سيكون مكاناً آمناً تعيش فيه ابنتها فوعدتها بأنها ستبذل كل ما بوسعها لتحصل على الإذن مجدداً للخروج ولزيارتها لاحقاً ثم عادت للاعتناء بوالد زينة في الغوطة الشرقية.

تقول أم زينة البديلة في قرى الأطفال SOS "لقد تغيرت زينة كثيراً منذ قدومها إلى هنا فأصبحت أكثر حيوية ونشاط وغالباً تأتي إلي لتبوح لي عما حدث في حياتها وما شهدته هناك. على الرغم من عدم استحساني بأن تسترجع ذكرياتها المؤلمة ولكن أكدت لي الاختصاصية النفسية فائدة الإفصاح عن مشاعر التوتر والخوف كلما أرادت ذلك. بأمانةٍ لم أصادف أي فتاة بأدب ولطف زينة، إنها فتاةٌ مهذبةٌ للغاية"

تتمتع زينة بالعديد من الأشياء في منزلها الجديد التي تشعر بالامتنان لها كثيراً ويعج وقتها بالنشاطات والدراسة. لديها الآن 8 إخوة وأخوات وهي تعمل حالياً على مساعدة أخويها الجدد هاني وعبد المنضمين حديثاً للعائلة لكي تبعث فيهم الراحة والسعادة في منزلهم الجديد. لزينة أمنيةٌ عظيمة فهي تصلِّ كل ليلة قبل النوم أن تسمع أخباراً عن والدها وتتمنى الأمان والحماية لوالدتها وجدّها ولجميع الأطفال.

تم تغيير اسم الطفلة حمايةً للخصوصية.