الرعاية الأسرية – كانون الثاني 21 2019

إيناس تتغلب على شعورها بالهجران والفراق.

كانت تبلغ إيناس من العمر عشرة أعوامٍ فقط عندما تخلى عنها والديها بالتبني نظراً لاستقبالها مولوداً جديداً.

كلّ ما شعرت به إيناس كان عبارة عن مشاعر متضاربة حينما رزق والديها بالتبني مولودهما الجديد، صحيحٌ أنها كانت سعيدة لرؤية الطفل الصغير الجميل ولكن القلق بدأ يراودها في الوقت ذاته وبرغم أنها كانت في العاشرة من عمرها إلا أنها أدركت حقيقة أن عائلتها لن يكون بوسعها تحمل تكاليف تربية طفلين بسبب تهجيرهم من منزلهم وقلة المورد والحيلة. علاوةً على رؤيتها لكم الحب الكبير من والديها بالتبني للمولود الصغير الذي جاء بعد انتظار أكثر من 15 عاماً من بداية زواجهم.

وتحقق خوف إيناس بالفعل بعد مرور ثلاثة أشهر من ولادة الطفل مع قرار عائلتها بالتبني إرسالها للعيش عند أحد أقاربهم مبررين أنها ستكون زيارة قصيرة فقط ولكنها علمت في داخلها أنها لن تعود إليهم بل اعتمل في قلبها الألم والأسى بعد أن تخلت عنها العائلة التي عاشت تحت ظلها لمدة تفوق السبع سنوات منذ أن عثروا عليها في منطقة التضامن جنوب دمشق حيث كانت تبلغ من العمر آنذاك ثلاثة أعوام فقط. وتقول إيناس " قضيت شهراً واحداً عند أقاربي ثم أرغموني على المغادرة لأنه لم يكن بإمكانهم تحمل نفقات إقامتي عندهم. هذا مالم أتوقعه طوال حياتي، لقد كانت أكثر اللحظات رعباً بالنسبة إلي".

بعد تخلي أقاربها عنها جالت إيناس الشوارع لمدة ثلاثة أشهر وافترشت أرض الحدائق لتنام في ليالي البرد القارسة في كانون الثاني 2017. إلى أن رأتها سيدةٌ وهي تبكي فبادرت بالتكلم إليها وحالما علمت بقصة إيناس أحضرتها لمركز الشرطة وهم نقلوها بدورهم إلى مركزٍ للرعاية المؤقتة لقرى الأطفال في دمشق.

توفر قرى الأطفال عبر مراكز الإقامة المؤقتة خدمات الرعاية البديلة قصيرة الأمد بالإضافة إلى الدعم النفسي والتربوي والطبي للأطفال المنبوذين. بالاقتران مع البحث الدؤوب عن أسر الطفل البيولوجية أو الممتدة من قبل العاملين الاجتماعيين في قرى الأطفال بغية توحيدهم معاً عقب تزويدهم بالدعم اللازم من خلال مشروع توحيد وتمكين الأسر.  مع الأسف لا يمكن تحقيق ذلك لكثيرٍ من الأطفال القاطنين في مراكز قرى الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم أو انفصلوا عنها خلال الحرب الدائرة في سورية.

وتوضح نغم مقدمة الرعاية لإيناس في مركز قرى الأطفال " عندما جاءت إيناس إلى المركز تطلبت حالتها عنايةً ماسَّة لإخضاعها للدعم النفسي وعلى الرغم أنها كانت تبدو بحالٍ جيدة ظاهرياً ولكن الكوابيس كانت تنتابها كل ليلة وحالما تخلت عنها عائلتها بالتبني بدأت أسئلتها حول عائلتها الحقيقية إلا أننا لم نستطع إيجادهم حتى الآن مع العلم أن البحث جارٍ حالياً للوصول إلى عائلتها الممتدة". وقبل إحضارها إلى المركز لم ترتد إيناس المدرسة إطلاقاً ولكنها كانت تتمنى بشدة تعلم القراءة والكتابة مثل أقرانها. وتمكنت على مدار عامين من العمل الجاد والصبر من إكمال دراسة منهاجين تعليميين ومكثفين واللذين يستهدفان الأطفال المحرومين من التعليم خلال سنوات الأزمة السورية وبحلول العام القادم ستصبح قادرة على مواكبة اقرانها الأطفال في المدرسة، الشيء الذي بعث على قلبها الفخر والاعتزاز بنفسها.

 تحلم إيناس بأن تصبح لاعبة كرة قدم مع أنها ليست بارعةً جداً في الملعب إلا أنها تستمتع بكل لحظة في اللعبة فضلاً عن فضولها الدائم حول قواعد وطريقة اللعب، إذ أنه بالنسبة ل إيناس لا توجد نشاطاتٍ أو ألعاب حكراً على الفتية فقط بل تمارس الأشياء التي تعود عليها بالسعادة وتكوين الصداقات مع الآخرين. 

 حين كان الأمل ضعيف بالوصول إلى عائلة إيناس الحقيقية أصبح من الضروري نقلها إلى أحد المنازل الصغيرة للمجموعات التي  ستفتتحها قرى الأطفال في 2019 ضمن منطقة صحنايا الواقعة على أطراف دمشق، حيث يمكن أن تحظى بالعناية والدعم في بيئة ذات روابط شبه أسرية التي تساعد على إضفاء جو من الراحة والاستقرار للطفل. وسوف تقيم إيناس في منزلها الجديد بصحبة مقدمي الرعاية والأطفال الآخرين من مراكز قرى الأطفال الغير الموحدين مع أسرهم حتى الآن لأسبابٍ مختلفة. ومعهم سيتشاركون اللحظات السعيدة وسيتعاضدون سوياً في محاولة اجتياز كل التجارب الصعبة التي خاضوها طوال حياتهم.   

 

*تم تغيير اسم الطفلة حمايةً للخصوصية.