يقول الطفل إحسان البالغ من العمر تسعة أعوام وهو ينظر إلى قطعةٍ من ملابسه المفضلة ليضعها بعد تفكير دام لدقيقة في صندوق التبرعات " إنها ملابس النوم المفضلة لدي ، هل ينبغي لي أن أضعها في الصندوق أيضاً".
ضمن مبادرةٍ أنشأتها الأنسة وسام الأخصائية النفسية في قرية قدسيا قام الأطفال بجمع الملابس بغية التبرع بها للأطفال الذين تم إخلائهم مؤخراً من المناطق المحاصرة في الغوطة الشرقية.
بدأت المبادرة خلال عطلة نهاية الأسبوع حين أصبحت القرية مثل خلية النحل، فبعض الأطفال يعبئون الملابس وبعضهم الآخر يفرزونها طبقاً للمقاس بينما عكفت مجموعة من الأطفال على إعانة الأمهات البديلات في كيّ الملابس. الجميع مفعمٌ بالحماس وراغبٌ بمساعدة الأطفال الذين كانوا يرزخون تحت وطأة المعاناة طوال سنواتٍ في المناطق المحاصرة في ريف دمشق.
لاحظت لمى الأم البديلة في القرية خلال تعبئة الملابس لباس النوم الخاص بإحسان في إحدى الصناديق فذهبت للبحث عنه في الجوار لتجده يعمل على إغلاق بعض الصناديق مع إخوته. ثم نادته قائلةً " هل أستطيع أن أحادثك قليلاً يا عزيزي إحسان". عندما جاء أخبرته أنه لا داعي لأن يتخلى عن ملابسه نظراً لمعرفتها مقدار محبته لملابسه الخاصة بالنوم. ليبادرها إحسان بالإجابة " هل تتذكرين يا أمي عندما أتيت إلى القرية أول مرة وقد طرت من الفرح عندما منحتني ملابس نظيفة وجديدة لكي أرتديها". قالت "نعم يا عزيزي أتذكر بالطبع". "أستطيع يقيناً أن أختبر شعورهم الآن، وأريدهم أن يشعروا مثلما شعرت عندما حصلت على هذه الملابس" يقول إحسان وكأنه أمراً بديهياً ومن الطبيعي فعله، عندها عانقته لمى وطلبت منه العودة لمساعدة إخوته. ويقول وسام " نحرص على أن يكون الأطفال ممتنين للأشياء التي حصلوا عليها وأن يتعاطفوا مع الأطفال المحتاجين وأن يلمسوا السعادة مقابل مساعدة الآخرين".
على الرغم من تمتع الأطفال بحياةٍ عائلية في قرى الأطفال SOS حيث يحصلون على كل شيء يحتاجونه إلا أن معظمهم ما يزالون يسترجعون مشقة الحياة التي عانوا منها قبل مجيئهم إلى القرية لاسيما وأن عدداً منهم قد أجليَ كذلك من المناطق المحاصرة وتعرض لظروف معيشية وأمنية صعبة ،وبذلك يمكنهم الإحساس وفهم الألم الذي يختبره هؤلاء الأطفال . بحلول المساء كل شيء أصبح جاهزاً واكتمل جمع الصناديق في غرفة النشاط في القرية لتقوم الحافلة في اليوم التالي بنقلها إلى المخيم حتى يتم توزيعها على الأطفال.
في تلك الليلة ذهب أطفال القرية للنوم باكراً وهم يشعرون بالتعب الممزوج بالسعادة والرضا عن إنجازهم، فلم يقتصر الأمر بالنسبة لهم عن التبرع بملابسهم فقط بل بمقدار الحب الذي منحوه خلال العطاء. في قرى الأطفال SOS نتبع مقاربات متنوعة من أجل مساعدة الأطفال الذين فقدوا الرعاية الأسرية بهدف التغلب على الصدمات والغمرات التي واجهوها فنحن نؤمن أن قوة شفائية تمكن في العطاء الذي يبعث السعادة والفخر على الأطفال. سيدركون من خلال العطاء أنهم ليسوا الأطفال الوحيدين المتعرضين للمعاناة ولكن عليهم أن يتجهزوا ليصبحوا أفراد متحلين بالمسؤولية ليساهموا في إعادة بناء بلدهم مجدداً بعد انتهاء الحرب.