تمكين الأسر – أيار 16 2018

تحتم على كمال ترك أطفاله في مركز الإقامة المؤقتة لقرى الأطفال في دمشق لبضعة أشهر إثر تعرض عمله للدمار بدأ بعدها سعيه في البحث عن مكانٍ يمكث فيه أطفاله و عملٍ يدرُّ دخلاً لإعالتهم.

عاش كمال مع زوجته وأطفاله في الغوطة الشرقية التي تقع في ضواحي دمشق في سوريا. إلى أن استيقظ الأطفال ذات صباح متلقين خبر وفاة والدتهم  وليحيوا بعدها في وحدة وسط انهمار القذائف التي كانت تتطاير فوق رؤوسهم. وعلى الرغم من الوضع الأمني المتفاقم وخوفهم الشديد إلا أنه توجب على كمال وأطفاله البقاء في المنزل بسبب عدم وجود أي مكان آخر يلجؤون إليه من نيران الحرب.

بعد مرور ثلاثة شهور أصابت قذيفة سقف منزلهم ما أسفر عن انهيار المنزل وأصيب الأطفال إصاباتٍ طفيفة ولم يصب الأب بأذى. ولهذا سارع كمال بأخذ الأطفال إلى اقرب مركز إسعافات أولية ثم هرع ليتفقد متجره الصغير للبقالة، مورد الدخل الوحيد للعائلة ليجده ركاماً. كل ما استطاع كمال فعله بعد خسارته لمنزله ومكان عمله هو أخذ أطفاله لأي مكان هرباً من ذاك المكان المروع.

انسحب الأطفال من المدرسة وخاضوا موجةً عصيبة من الصدمات النفسية المؤلمة إثر فقدانهم لوالدتهم ولكل التجارب التي مروا بها، وبهذا غادروا برفقة والدهم الغوطة الشرقية متجهين إلى مدينة دمشق. مكث الأطفال في الحدائق العامة وناموا في أرصفة الشوارع لبضعة أسابيع. وبرغم حاجة الوالد الملحة لإيجاد عمل ولكنه لم يكن قادراً على ترك أطفاله الثلاثة بدون أي أحد يعتني بهم.

كان الحل الوحيد لوالدي هو إحضارنا لمركز الإقامة المؤقتة في قرى الأطفال, وأدركنا أن قراره بالابتعاد عنا جعله مفطور القلب ولكنه كان موقناً أنه المكان الأكثر أمناً في ذلك الوقت

منى
عشر سنوات

تمثلت خطة كمال بترك أطفاله في مركز الإقامة المؤقتة لكي يتسنى له تأمين عمل ومنزل. إبان وصولهم إلى المركز كان الأطفال يعانون من صدماتٍ نفسية وفي حالة من الذهول والخوف,  ولذلك عمل فريق قرى الأطفال خلال     إقامة الأطفال في المركز على مساعدتهم في كل المستويات فالتحق الأطفال بدوراتٍ تعليمية لتعويض ما فاتهم من التعلم بغية تسجيلهم في المدرسة على الفور. إضافةً لذلك، ونظراً للمصاعب التي شهدوها  مسببةً إصابتهم باضطراب ما بعد الصدمة الذي خلَّف تأثيٍراً عميقاً على مهاراتهم الاجتماعية, كان من الضروري حضورهم لجلسات متخصصة في الدعم النفسي بهدف مساعدتهم على الاندماج بالمجتمع. ويقول وسيم جاروش الاختصاصي النفسي في المركز " تعرض الأطفال لأذى عميق ولم يرغبوا بشيءٍ سوى توحيدهم مع والدهم.  صحيحٌ أن مركز الإقامة المؤقتة في قرى الأطفال يزود الرعاية البديلة للأطفال ولكن ذلك لا يغنِ عن أن البيئةٍ الأمثل بالنسبة لأي طفلٍ هي عيشهم مع أسرهم البيولوجية ".

تم توحيد الأطفال مع والدهم بعد مرور أربعة أشهرٍ على وصولهم إلى مركز الرعاية المؤقتة. ولغاية عام 2017 عمل كمال في سوق للبقالة من أجل تغطية احتياجات أطفاله اليومية ولكنه درَّ عليه مدخولاً ضعيفاً. أُدرجت العائلة في برنامج تمكين وتوحيد الأسر بغية مساندته في تحقيق الاستقلال المالي والقدرة على إعالة عائلته.

يؤمن برنامج تمكين وتوحيد الأسر الدعم والرعاية حتى يتمكن الأطفال المقيمين في مراكز الرعاية المؤقتة لقرى الأطفال SOS العودة إلى كنف عائلاتهم. ويتجلى ذلك خلال تخصيص مساعدات في دفع الإيجار والملبس والمسكن والتدريب المهني يستطيعون عبرها إعالة ورعاية أطفالهم على المدى البعيد.    

"حاول فريق قرى الأطفال التوصل لحلٍ بشأن كمال وأطفاله" يقول نزيه كراز قائد فريق برنامج تمكين وتوحيد الأسر في قرى الأطفال SOS  "من خلال البرنامج كانت تقتضي خطتنا بالشروع في دعم العائلة بأقصى سرعة ممكنة بدءاً بمنحهم إعانة مالية شهرياً تشمل  تكاليف التدفئة والكساء والتعليم فضلاً عن ناحيةٍ هامة وهي تقديم بدل الإيجار لضمان أمن الأطفال ووالدهم وعيشهم في منطقة آمنة في المدينة. علاوةً على تقديمنا الدعم النفسي  للأطفال وحققنا ذلك عبر زيارات المتخصصين النفسيين  المنتظمة لمراقبة صحتهم النفسية والإشراف عليها". 

دعمت قرى الأطفال SOS أيضاً عائلة كمال في تغطية حاجاتهم الأساسية في الشتاء من التدفئة والكساء. وذهب الأطفال برفقة أحد العاملين في قرى الأطفال للتسوق لشراء ملابس ومعاطف مدرسية جديدة مع تناثر أصوات ضحكاتهم في أرجاء المكان فرحاً باختيارهم أشيائهم التي يودون شراءها.

تقول منى بابتسامةٍ جميلة "إنني واثقةٌ من أن أصدقائي سيعجبون بهذا المعطف الجديد بعد أن أصبح بإمكاني ارتدائه في المدرسة إضافةً إلى أننا نحظى بمكان جميل نعيش فيه سويّاً مع والدي".

علاوةً على ذلك, منحت قرى الأطفال SOS الدعم لتأسيس مشروع صغير, تهتم هذه الخدمة بشكلٍ رئيسي بتمكين الأسر عبر تقديم حقيبة أدوات مهنية للأشخاص الذين فقدوا أعمالهم أو وورشاتهم. وفي حالة كمال يزوده برنامج تمكين وتوحيد الأسر بالمواد الضرورية لكي يفتتح متجره الخاص الذي قد يصبح مصدراً للدخل. عوضاً عن تلقيه لمعلومات عن الأسعار العامة للمنتجات والبضائع في السوق لكي يتمكن من إدارة عمله الخاص على نحوٍ أفضل. ويفكر كمال حالياً بتوسيع عمله وبيع الخضار في متجره الخاص ببيع الطعام.

برغم من خوض العائلة الكثير من التجارب العصيبة إلا أن كمال أصبح قادراً على تلبية حاجات عائلته واكتساب الخبرات في عمله كصاحب متجر صغير.

يقول كمال "لا يمكنني وصف مشاعري حين استقرت أوضاعي مع أطفالي عقب المساعدة التي منحتنا إياها قرى الأطفال SOS، كنت أتوقع رؤية أطفالي يعانون الاكتئاب عقب جميع ما مروا به ولكن اعتلتني الدهشة والسعادة في آنٍ معاً لرؤيتي لهم وقد تحول حالهم للأفضل واجتيازهم لمرحلة من النضج والاستقرار النفسي وما زاد الأمر أهمية هو تمتعهم بالمساعدة في المدرسة من قبل قرى الأطفال SOS."

تم تغيير الأسماء حمايةً للخصوصية